يقول أبو طالب(1) في رائعته اللامية التي تزيد على المائة بيت:
ولما نُطاعـــن دونـــه ونـناضل(2)
كـــذبتم وبيـــت الله نــــبزي محمدا
ونُـــذهل عـــن أبــــــنائنا والحلائل
ونـــسلمه حتـــى نصـــرّع حــــوله
ويقول فيها:
يحوط الذمار غير ذرب مـواكـل(3)
ومــا تـــرك قـــوم لا أبـلً لك سيّداً
ثمال اليتامى عصـــمة لـــــــلأرامل
وأبــيض يُســـتسقى الغمام بوجهه
فهــم عنـــده فــي رحمــة وفواضل
يــلوذ بــه الهـــلاك مـن آل هــاشم
ويقول فيها:
وأخـــوتــه دأب المحـــب المواصلِ
لعـــمري لقـــد كـــلفت وجداً بأحمد
وزيناً لمـــن والاه ربّ المـــــشاكل
فـــلا زال فـــي الـدنيا جمالاً لأهلها
إذا قــاســـه الحكّـــام عند التفاضل
فمـــن مثــله فــي الناس أيّ مؤمل
يـــوالـــي الاهاً ليــــس عنه بغافلِ
حليـــم رشــــيد عـــادل غيـر طاش
ويقول فيها:
لدينـــا ولا يُـــعني بقـــول الأبــاطلِ
لقـــد علمـــوا ان ابنـــــنا لا مكذّب
تقصّر عنه ســــورة المتطـاولِ(4)
فـاصبــــــح فيـــنا أحمد في أرومة
ودافـــعت عنـه بالذرا والكلاكلِ(5)
حـــدبت بنـــفسي دونـــــه وحميته
وأظـــهر ديـــناً حقه غير باطلِ(6)
فـــأيّده رب العبـــاد بـــنــــــصـــره
ويقول في قصيدة أخرى:
لـــؤيّاً وخصـــا من لؤي بني كعبِ
ألا أبـــلغا عـنــــي عـــلى ذات بيننا
نبيّاً كموسى خطَّ في أول الكتبِ(7)
ألـــم تعـــلموا أنـــا وجـــدنا محمداً
2 ـ وقال أيضاً:
فذو العرش محمود وهذا محمّد(8)
وشقَّ له من اسمه كي يجلّه
وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة يحثّه على نصرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واتباعه:
نــبيٌّ كموســى والمسـيح ابن مريمِ
تعـــلّم مليــك الحبش أنَّ محمداً
وكـــلَّ بـــأمــر الله يــهــدي ويعـصم
أتـــى بالهدى مثل الذي أتيا به
بصــدق حديــث لا حديث مرجّـم(9)
وإنــكم تــتــلونه فـــي كتـــابكم
فإنَّ طريق الحق لـيــس بمظلمِ(10)
فــلا تجـــعلوا لله نــدّاً وأسلموا
3 ـ وقال عند إسلام حمزة:
وكــــن مظــهراً للــدين وفـقـت صابرا
فــصــبراً أبـــا يعــلى على دين أحمد
بصـــدق وحــقّ لا تــكن حــمـز كـافرا
وحـــط مــن أتى بالدين من عند ربّه
فـكــــن لـــرســـول الله فــي الله ناصرا
فقد ســرَّنـــي إذ قـلــت: إنـــك مؤمن
جهـاراً وقل: ما كان أحمد ساحرا(11)
ونـــاد قـــريــشـــاً بـالــذي قـــد أتيته
4 ـ وقال أيضاً:
والصـــادق القـــول لا لهــو ولا لعبُ
أنــــت الأمــيــن أميــن الله لا كذب
عليك تنزل من ذي العزّة الكتب(12)
أنــــت الرســول رسـول الله نعلمه
للموضوع تتمة
1 ـ وشعر أبي طالب رضوان الله عليه مستمسك عظيم على إسلامه وإيمانه، ألا تراه وهو زعيم قريش وابن زعيم العرب يخاطب يتيماً ربّاه بما يخاطب الشعراء الملوك، في الوقت الذي كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو المحتاج لرعايته والمحاماة عنه.
إن من تتبع طريقته في مدح النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إيمانه في كل بيت من شعره، ولكن المصيبة جاءته من قبل ابنه علي (عليه السلام)، ولو قدّر ان يكون ابنه معاوية لكان المسلم الأول. إن الحاقدين على الإمام (عليه السلام) لا يستطيعون النيل من مقامه الشامخ، ومنزلته العظيمة، عند الله جلّ جلاله والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فحاولوا الحط منه بأن أباه مات كافراً، وفي ضحضاح من نار، والله حسبهم، وسيعلم الذين ظلموا لمن عقبى الدار.
2 ـ نبزى: نسلب ونغلب.
3 ـ الذمار: الحمى. والذرب: الفاحش المنطق. والمواكل: من يكل أمره إلى غيره.
4 ـ السورة: الشدة والبطش.
5 ـ الذرا ـ جمع ذروة: أعلى ظهر البعير. والكلاكل: عظام الصدر.
6 ـ السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 251.
7 ـ السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 4.
8 ـ أعلام الورى: 16. وقال سفيان بن عيينة: أحسن بيت قالته العرب قول أبي طالب: وشق له الخ.
9 ـ مرجم: لا يوقف على حقيقته.
10 ـ أعلام الورى: 55.
11 ـ أعلام الورى: 58.
12 ـ مناقب آل أبي طالب: 1 / 56.
منقول